Nov 28, 2019

الذاهب إلى المكان: سركون بولص يترجم نفسه وغيره


كل تفصيلة في عالم سركون بولص تحتاج إلى حكاية وعدة كؤوس. على شاهدة قبره في كاليفورنيا كتبوا: “سركون بولص (١٩٤٣-٢٠٠٧) أخ محبوب وشاعر آشوري معروف، مؤسس قصيدة النثر العربية، ومترجم شكسبير وعزرا باوند وبابلو نيرودا وجبران خليل جبران وآخرين.“ كان سركون شحيحاً في شعره وكريماً في ترجماته. ترك خلفه ست مجموعات شعرية وترجمات لأكثر من ١٣٠ شاعر. في انطولوجيارقائم لروح الكوننجد مجموعة كبيرة من هذه الترجمات التي أنجزها بين ١٩٦٤ وحتى مماته. بدأ سركون النشر في بغداد وبيروت خلال ستينات القرن الماضي لكنه لم يكترث بالنشر حتى عام ١٩٨٥ عندما أصدر ديوانه الأولالوصول إلى مدينة أينعن دارسارق النارفي أثينا والتي لم يعد لها وجود.

بالاطلاع على محتويات الانطولوجيا، نجد الشعراء موزعين حسب مجموعاتهم اللغوية: من الصينية واليابانية والهندية والبنغالية والتركية، ترجم سركون وانغ وي وتو فو وباشو وغالب وطاغور وشينكيشي تاكاشي وناظم حكمت. من الانجليزية ترجم شكسبير وبوب وبليك ووردسميث وشيلي وكيتس وآلن بو وويتمان وديكنسن وييتس ووالاس ستيفنيز وكارلوس ويليامز وباوند وماريان موور وكونيتز وريتكه وكارل شابيرو وراندل جاريل وجون بيريمان وغينسبيرغ وبوكوفسكي وليفيرتوف واتيل عدنان وآمونز وروبرت بلاي وميروين وساكستون وغريغوري كورسو وديريك والكوت وسيلفيا بلاث وماكلير وشيموس هيني وغيرهم. وعن لغات أوروبية أخرى، ترجم سركون رامبو وماتشادو وبيسوا ولوركا وفاييخو وبورخيس ورفاييل ألبرتي ونيرودا وباز وهاينرش هاينه وريلكه وبريخت وريتسوس وميلوش وفاسكو بوبا. كان سركون يجيد العربية والآرامية الحديثة كلغتيه الأم وتعلم الإنجليزية كلغة ثانية كما كانت له محاولات لتعلم الفرنسية والألمانية. اعتمد على صنعته ومقارنات بين التراجم في انجاز ترجماته. كما ترجم الشعر إلى الإنجليزية، غالباً لشعراء عراقيين وعرب من معاصريه.

في سنواته الأخيرة، انشغل سركون بتحضير أعماله للنشر بعد رحيله. في ٢٠٠٨، صدرت ترجمةالنبيلجبران خليل جبران لتكون الترجمة العربية السابعة لهذا الكتاب. يرى سركون أن جبران هو الأب الغير معلن لقصيدة النثر العربية وهو الذي لم يجد في الأدب العربي آنذاك مساحة كافية لهذا العمل الطموح. في ٢٠١٠، خرج اصدارشاحذ السكاكينبالإنجليزية حيث جمع فيه سركون أجمل قصائده وقام بترجمتها إلى الإنجليزية بنفسه. في ٢٠١٢، صدرت ترجمته لقصائد أودن متبعة بترجمته لقصائد غينسبيرغ بعدها بعامين. وبهذه المعرفة الشاسعة بالشعر وممارسته للشعر عبر الترجمة، أسس سركون لشعرية جديدة طموحها مستمرة.

في قصائد سركون، نلحظ وجودالشاعر-المترجممتجسداً بشخصية الغريب الذي مادام يرحل ويصل إلا أن ذكرياته عن الرحلة دائماً ما تكون مشوشة. يبدأ القصيدة بصيغة المخاطب، الشاعر أو المنفي، ثم ينتقل لصيغة الغائب، القارئ أو الشاهد أو رفيق الرحلة. كثيراً ما يستدعي سركون رحلة خروجه من العراق، هارباً عبر الصحراء، بتفاصيلها الدقيقة لتبقى هي الرحلة الوحيدة الواضحة في مخيلته. في قصيدةالذاهب إلى المكانالمنشورة في ديوانإذا كنت نائماً في مركب نوحعام ١٩٩٨، بإمكان الواحد أن يلحظ غياب الرحلة بين المقطعين الأول والثاني. كمن شفي واستيقظ، يعود الغريب من الموت، لاهثاً ومطارداً، ليعاود الظهور في أماكن نائية. ظهوره المفاجئ هو انتقامه الوحيد، لذا يعاود الوصول، في هيئة، مكان، ساحة. مستمر في العبور، قلق من الذاكرة، لكنه راض عن أنصاف النهايات.

إن ترجمة سركون لقصيدته غاية في البراعة فهو يعرف ما تتطلبه الـدوينديخاصته (أو لعبته الشعرية) خارج بيتها. السطر الافتتاحي يأتي مقتضباً بالعربية ومفصلاً بالإنجليزية، المخدة الحجرية تصبح حجراً غريباً وجده تحت رأسه. والمشية إلى باب الجحيم مجرد عبور بالعربية لكنها خطوات متسارعة بالإنجليزية. أما في تقطيعة القصيدة، نجد أن سركون يترنح بين حركتين. في قصيدة النثر العربية، تقطيعة القصيدة وتراقيمها غير منظمة، لذا غالباً ما ينتهي السطر بقطعة مكتملة من صورة أو مشهد أو فكرة. تشبه في حركتها المشي أعلى السلم مع التقاط أنفاس قصيرة. في الترجمة، لا يقوم سركون باتباع تقطيعة القصيدة كما هو متعارف عليه بالإنجليزية، إلا أنه يحافظ على أسلوبها في تمكين الاستمرارية، أو وعد الترقب.

في ترجمته لقصيدةانظر أيها الغريبلأودن يلعب سركون على تراتبية الصور ليحافظ على هذا الوعد وهو في صميم صنعة أودن. في الإنجليزية، على عكس اللغات السامية، تغلب الجمل الاسمية. وبذا يتعمد سركون تأجيلالغريبوالضياءبعدانظرويجلوها“. كما يقوم المترجم بإضافة فواصل على قصيدة أودن ليحاكي ايقاعه البطيء والأفقي. يكتب سركونحيث كان شعراء المودرنزم [باوند وإليوت بخاصّة[ يستعملون الشكل الجديد للحديث عن حتمية التاريخ، تبنّى كلّ من أودن وبريخت أشكالاً تقليدية للحديث عن الحريّة والاختيار. وسّع كلاهما مجال التعبير ليطال محتوى واستشراف التحليل التاريخي.“ وكمن يخاطب الغريب في قصيدة سركون، يقوم أودن بتذكيره بالرحلة، بمرور الوقت وذبوله، والحضور المستقر للعناصر جميعها. كلا الغريبان مشغولان بالوصول والذاكرة: أحدهما شبح يرتعد من ذاكرته المحطمة والآخر بحار ينتظر التقاط اللحظة. 


* نُشرت هذه المقدمة في مجلة Specimen: The Babel Review of Translations

Nov 24, 2019

Imprisoned Windows




One time when I was a bookseller
I took over the store window
and stacked books by poets in prison.
The owner came in and wrote
CURRENTLY IMPRISONED
“this way it gives me the shivers,”
she said. Surrounding their books
with walls and columns, she drew
grey windows and crossed out days
in detention, much less than
what they have actually spent.

I wanted to make a window
for my imprisoned friend, and friends
of others. At night, they offer a mirror
to strangers, in daylight,
they glitter blinded.




Four weeks had passed as we continued
to work behind the display wall— I couldn’t tell
when the postman stopped by,
or when the drunk dude came in
to jerk off in the History section,
I couldn’t scan the many toned bodies
coming by

It was tough at first, but eventually we forgot
about the light, the sidewalk,
and the FOMOs typical of warm days.

Only later was I reminded
that the wall is still of glass
as I watched the currently-imprisoned
poets being escorted
out of their window.


* Published in the 60th anniversary issue of Ambit Magazine - London.