Apr 27, 2011

واسيني الأعرج: إننا نملك ذخائر عظيمة، لكنها تمر أمامنا كالهواء


حاورته: منى كريم

واسيني الأعرج روائي يترك لروحه أن تختار حريتها المطلقة رغماً عن "حراس النوايا" كما يسميهم، لطالما كان اسماً مختلفاً في التجربة الجزائرية انطلاقاً من كونه يكتب باللغة العربية، كما قد درسها سابقاً على خلاف أغلب كتاب المغرب العربي. ضمن فعاليات مهرجان القرين قابلت الكثير من المثقفين الذي كانوا على خلاف ما نعرف عنهم، فاكتشف مثلاً من يملك قدرة على الكلام بشكل ثرثار و هو ما يرجع إلى الاعتماد على الذاكرة – التي تتميز بها العقلية العربية -، لقد سألني أحدهم: كم تريدين مدة كل إجابة، دقيقة أم 5 دقائق؟!! فعرفت فوراً أنه رغم اسمه الناصع مجرد "آلة حكي". لكن واسيني الأعرج كان يتكلم معي بعفوية وبساطة تميزه، ليتعلم منه "الكواتيب".


- هل ترى أن الرواية العربية باعتبارها صنف أدبي قد تتخلص ذات يوم من فكرة أدب الحرب و الخوف من أشباح العنف ؟

على العكس من ذلك، فالرواية العربية في صُلب الحرب لأننا في دوامة عنف، سواء كان العنف الاجتماعي الذي نعيشه، أو غياب الديمقراطية، المظالم اليومية، الصراعات الثقافية، الدينية الذهنية، الدولية .. كلها تفرض على الرواية العربية نوع من العنف بل و توجهه، لذلك من الصعب الحديث عن رواية تقع خارج العنف. بالتأكيد الاهتمام بالحروب قلّ بالنسبة للرواية فهي الآن منغرسة في عمق الفرد و انكساراته، لكن هذه الفردية لا تنفصل مطلقا عن هاجس الخوف اليومي الذي يراود الإنسان من الحروب، كما يحصل في بعض البلدان التي تقع على حافة الصراع كدول الخليج التي تمر بالحرب العراقية الاميركية. إذن من كل هذا نكتشف أن رواية العنف ما تزال تملك مبررات لوجودها، فالوصول إلى رواية خالية من هذه العوالم يحتاج لوقت و لانتشال الأسباب التي أدت إلى إنتاجها.


- بحكم تأثر التجربة الجزائرية بالتجربة الفرنسية . نجد أن الرواية الجزائرية تملك لغة شعرية عالية في روحها (مثال روايتك سيدة المقام) هل توافق على هذه الفكرة؟

صحيح أن الرواية الجزائرية متأثرة بالرواية الفرنسية سواء تلك المكتوبة باللغة الفرنسية أو حتى اللغة العربية، ففي الجزائر هنالك تأثر متأصل بما يترجم من الأدب الفرنسي لأن الإنسان الجزائري مزدوج اللغة، لا يجيد اللغة فقط بل ويتقنها عن حب، لذلك فأن التأثيرات واضحة، لكن رغم ذلك نجد التأثيرات الشعرية العربية بشكل قوي، فأنا أرى في الشعرية العربية حالة حنين وشوق، بالتالي العمل هنا هو اشتغال على اللغة العربية في حد ذاتها بغض النظر عن اللغة التي كـُتبت بها الرواية مما يُحتم على الكاتب أن لا يتعامل مع اللغة كمعطىٍ جاهز بمعنى أن يأخذ اللغة و يكتب بها، بل يتعامل معها كمعطىٍ متطور ففي حالة التطور هذي هو يضيف شيئاً ما إلى هذه اللغة بحيث يعطي اللغة العربية في الجزائر لمسة جديدة، خاصة أن الجزائر عاشت ظروفاً قاسية في السنوات العشر الأخيرة من قمع و منافٍ وحزن ويأس وقتل وإرهاب مما يولد لدى الإنسان كماً من الجنائزية اللغوية، فالإنسان حين يكتب يستظهر هذا الشيء الدفين فيه من همٍ فردي وذاتي وغيره. بالتالي أيّ لغة بامكانها إخراج هذا الدفين إذا لم نعتمد على اللغة الشعرية؟ فاستخدام اللغة الأدبية العادية لا يؤدي وظيفة، من الواجب أن نخدم اللغة، أن نخلق لغة تعبر عما نريده و يريده الآخر. و هنا أجد ميزة الرواية الجزائرية في أنها تشتغل على اللغة وهي ميزة مكتسبة من الثقافات الأخرى التي تساعدنا على العقلنة والجنون أيضاً.


- يحمل الإرث العربي زخماً كبيراً من الخطابية بمقابل الأعمال الأخرى التي أثرت في الموروث العالمي . ما أكثر نقطة شدتك لدراسة الأدب العربي و تفضيلك إياها على دراسة أدب أجنبي؟

أنا لا أتناول الأمور من باب الأفضلية، صحيح أن هنالك كم كبير من النصوص العربية التي نقرأها لا نستطيع أن تجد فيها شيئاً مميزاً إلا بشكل نادر، بينما نقرأ نصاً عالمياً يملؤنا بصدقه و إتقانه و قوته، كما قد نجد أعمالاً أجنبية عادية لا تشدنا بل ورتيبة و مكررة و أعمالاً أخرى عربية تلامسك بحيث تترك فيك شعور اصطياد طريدة لذيذة تجعلنا نقول كم أن هذه الحياة جميلة فيها أشخاص يملكون من الجمال ما يمنحك اللذة الاستثنائية – لذة الحب و الحياة - و السعادة . أحياناً أعود إلى نصوص أجنبية قديمة رائعة مثل رواية "السيد الرئيس"، أو إلى نيكوس كازانتزاكيس وروايته : زوربا، المسيح يصلب من جديد، الإغواء الأخير للمسيح، تقرير إلى غريكو – سيرة ذاتية – و التي ترجمها الشاعر ممدوح عدوان بشكلٍ راقٍ، فمثل هذه النصوص تجد جمالها في أنها تعطيك ثقة في حياتك .. من جهة أخرى هنالك نصوص عربية جميلة، مثلا كتاب الإشارات الإلهية لأبي حيان التوحيدي وهو عمل لرجل بيني وبينه عشرة قرون فأجد أنه يتكلم في فصل اسمه "الغريب" ويقول: "يا أيها الغريب إلى أين أنت ذاهب؟ أمامك ظلمة و وراءك خوف وفي داخلك قفص"، (بدهشة) أين الفروق بين التوحيدي و كاتب يكتب اليوم؟ إنني أشعر بأن هذا الكاتب جزءاً مني وكأنه يعبر عني رغم المسافة الفاصلة بيننا، لذا أقول أن النصوص العظيمة خالدة، نحن يجب أن نعرف كيف نقرأ، إننا نملك ذخائر عظيمة لكنها تمر أمامنا كالهواء.. ذخائر تخلق لنا علاقة فيها شيء من العقلانية بيننا و بين الحياة.


- نشعر أحياناً كثيرة بأن الأدب المغاربي يُنتج و له نقاده بعيداً عن القارئ المشارقي . برأيك ما السبب ؟

كلامك صحيح، فهنالك كما ذكرت تجربة مغاربية مغايرة لأنها تجربة متفتحة على الغرب، على العكس من التجربة المشارقية التي يتأصل فيها التراث و التي بامكانك أن ترى أحد كتابها يملك مساحة للتحاور مع التراث دون اعتبار هذا التراث عاملاً سلبياً، لكن المشكلة في العين التي تقرأ التراث، إن العين المغاربية تتصف بالعقلانية بينما المشارقية ملتبسة عدا بعض الاستثناءات، و بالطبع العامل اللغوي يلعب دور حيث أن اللغة العربية لوحدها لم تعد كافية فيجب على الإنسان أن يتفتح على لغات أخرى لكي يعيد قراءة تراثه بشكل سليم وحضارته وفكره فإذن نحن في وضعية إعادة قراءة للتراث ومحاولة الخلق الجديد، هذا يحدث في النقد المغاربي الذي يملك الأدوات للدخول لهكذا مواضيع بينما في المشرق النصوص لا تصل، باستثناء تلك المطبوعة في بيروت.. يجب أن يُفك الحصار على الكتاب ليصل إلى القارئ العربي، هل الطيور أفضل منّا و العصافير و الريح و النمل؟ إنها تمر بلا جوازات أو جمارك.. ليعتبرونا نمل و يسمحوا لنا بالمرور.. إنني أشعر بأن الحكومات العربية لا تريد أن تفهم رغم أن الثقافة هي التي تقوم بلّحم الشروخ. إننا في المغرب العربي تصلنا الكتب المشرقية ونقرأها ونتناولها لربما لأن مساحة الديمقراطية أوسع. أنا الآن موجود في مساحة أكثر عروبة على ما يبدو و هي (فرنسا) التي تدخلها كل النصوص العربية.


كيف ترى مستقبل "حراس النوايا"، هل بدأت أحذيتهم تضيق عليهم؟

- آه .. "حراس النوايا" .. أسوأ ما يمكن أن ينتجه مجتمع ما هم "حراس النوايا"، الجزائر انتجتهم بسبب اختلالات كثيرة في الثقافة و في قراءة خطر لهؤلاء الجماعات، الإشكالية لا تعود للدين فأنا أنا كنت في أسرة مسلمة وجيراننا مسيح وغيرهم يهود . لكن هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم جدار للدين الإسلامي هم أسباب المشكلة و هم بالضبط ينزلون تحت مسمى "الفاشية".. إن الفاشية ليست سوى اليقين بالرأي المطلق وحالة تشبث حول حقيقة معينة تجعلك الوحيد على حق وغيرك على خطأ.. لا نستطيع بناء مجتمع أو حياة بهذه الطريقة، لقد وصل الحال في الجزائر أن يقتل الأخ أخيه أو يقتل الابن أمه ويعتبرها فاجرة و فاسقة لأنها تحدثت مع جارهم الذي يعرفونه منذ 30 سنة. لقد كانت الجزائر تنبه بأن الخطر قادم فهي دفعت الثمن لكن الرد كان من الدول العربية أنها دعمت هذه الجماعات و مررتها عبر حدودها. لكنني أقول الحمدلله لأن كل ما يبنى على الظلم يُهدم، لقد خسرنا أكثر من 100 ألف إنسان بريء كانت محصلتهم أن الجزائر مازال فيها "حراس نوايا" بأظافر مُقلمة، إننا الآن نتنفس، والمرأة الجزائرية تخرج إلى الشارع دون خوف على خلاف تلك الفترة، إنني أشعر الآن بمعنى الشارع فهو دون امرأة غير موجود حيث تمثل الحياة و اللون.


- قلت ذات مرة أن النص رصد أو شاهد على الزمان و المكان، ألا تجد في هذه الفكرة بعض الرتابة، ألا ترى أن هنالك أهم من رؤية الرصد مقابل رؤية تختزل ما يريده الإنسان ؟

- طبعا ً، كلامك دقيق و صحيح . و لكن أنا حينما قلت هذا الكلام جاء على فكرة تقول أن النص منفصل عني و عن حركتي و أنه ينشى في دائرة مستقلة هي الأدب، قد ينشئ النص بهذا الشكل لكن اللغة و الأحداث من أين جاءت ؟ إنها وليدة وواقع اجتماعي محدد، أنا حينما أكتب عن الإرهاب أو سيدة المقام أو غيره فأنا داخل هذه الحركة المجتمعية لكن الكتابة أن لا تكررها بل تعطي الانطباع بوجودها، اتركني أعيش حالة إنسانية، و بصراحة النص الذي لا أعيش فيه حالة إنسانية ليس نصاً أدبياً مهما كان سجاليا سياسيا ثقافيا رغم حزن النص أو ما إلى ذلك، المهم هنا أن نشعر بالعمق بالجمال و بالإنسانية و بالتالي هذا النص يرصد للواقع الاجتماعي بل و يتخطاه، فهو ليس مجرد كاميرا، إنه كاميرا مشاركة في الفعل تُصور و تتحرك و تملك لها وجود و طريقة خاصة في التسجيل تجعلك تتساءل : لقد رأيت هذا الشيء لكنه هنا أجمل و أحلى ..

و هذا دور الكاتب في أن يكون بعيد عن التكرير و الرتابة كي يكتسب قيمته .


- واسيني الأعرج .. هل أنت حر ؟

- نعم . أتصور أني حُر و لن أقبل سوى أن أكون حراً لأني دفعت ثمن غالي، قد يكون رخيص بالمقارنة مع ما دفعه الناس الذين قتلوا، لقد استشهد والدي في الـ 57 في الثورة الوطنية و أُدين له بالكثير، رغم أنه كان يعيش حياة جميلة فضل تركها عند قيام الثورة فرجع إلى الجزائر و حمل السلاح و استشهد من أجل تعطشه للحرية رغم الحرية التي كان يتمتع بها في فرنسا . فحين أجيء أنا و أرى صورة والدي يجب أن لا أقبل بغير الحرية .. الحرية معتقلة ؟؟ هنالك وسائل للدفاع و المقاومة لا عبر العنف بل عبر أساليب أخرى مثل التي أملكها – قوة القلم – التي قد يتم كسره لكن أثره يبقى، فالقوة هنا قوة الكلمة التي لا تضاهى لأنها مرتبطة بالتاريخ . أنني أؤمن بأن الحرية كالطفل يجب أن تحميه و تربيه ففي أي لحظة قد يقتل خاصة إننا في عصر ديكتاتوريات مهيأة لكسر كل شيء خاصة الحرية . بالتالي من الجيد أننا أحرار، بل و أننا نعرف الحفاظ على الحرية .


أجري الحوار في العام 2005 - عن جريدة إيلاف الإلكترونية

Apr 17, 2011

سليمان البسام يدير محاكمة للواقع الكويتي وتحولاته




يواصل المؤلف والمخرج والمنتج سليمان البسام تفاعله الرائع مع جمهوره الواسع من مختلف الجنسيات عبر أعمال مبتكرة جديدة محورها قضايا حريات التعبيروحقوق الانسان، ويأتي عمله الجديد «ودار الفلك» امتداداً للإطار العام الذي وضعه هذا الفنان المبهر بأعماله ورئيس فرقة «سبب» لأعماله المسرحية المتتالية، ليكون هذا العمل مستوحي من مسرحية «الليلة الثانية عشرة» لوليام شكسبير الذي يحب أن يرتبط به البسام دائماً.وفي هذه المرة عاد البسام مشاركا في التمثيل على الخشبة حيث أخذ دور المخرج أيضاً ليلقي خطاباً مثيراً في بداية العمل يرمز فيه إلى المحاولات المتطرفة لإلغاء الذاكرة الكويتية. واعتمد البسام في هذه المسرحية على تقسيمها إلى نصفين، إذ يوضح كمخرج داخل العمل بأن «المسرحية داخل المسرحية» الموجودة ما هي إلا إعادة تقديم لعرض قديم يتم تشذيبه بطريقة ما، بعدما «هدى الله» الفنانين في إشارة إلى «الصبغة الدينية» وعلاقتها بالفنون، وبالتالي فإن النصف الأول من العمل يمر ثقيلاً على القلب وخالياً من الألوان من خلال شاشة تقدم مشاهدها بالأبيض والأسود ومن ثم إعادة تنفيذها بحيث يتحول الفستان إلى حجاب وتقاس المسافة بين الجنسين بشكل حذر.


أما في الجزء الثاني من العمل، فينطلق بعدما وجّـه البسام اتهاماً للجمهور باعتبارهم «متواطئين» من خلال صمتهم على ما يحصل من تعديات على الحدود العامة مثل الاختلاط والغزل والرقص لنشهد بعدها مشاهد ملونة لا حدود فيها لحرية الفنان في الإبداع والتعبير، ولربما هذا الجزء كان سلساً في بدايته خصوصاً من الناحية المرئية. ولا يأخذ البسام في هذا العمل دور المخرج فقط بل هو الراوي والمعلق المستمر على كل الأحداث، بل وانه يأخذ صوت الرقيب السياسي والديني حيث يقوم بتعقيم ممثليه حين يتجاوزون «الخطوط الحمراء المرسومة» مؤكداً في أحيان أخرى بأن المسرح الآن «لا يجرؤ على محاكاة الواقع وتحدي الماضي وطرح القضايا» وعليه بكل بساطة أن يكون استنساخياً ومكرراً فيما يقدمه.


الأمثلة التي يطرحها العمل على تضييق الحريات كثيرة من خلال مشاهد وتفاصيل وسطور كثيرة بمستويات متعددة ومهما كانت هذه الالتقاطات ساخرة ونقدية إلا أن بعضها لم يكن في مكانه لنشعر بأن الكاتب والمخرج يريد أن يخرج «كل ما لديه» من ملاحظات في هذا الشأن في عمل واحد، فكان الزخم كبيرا وبالتالي حمل مسرحيته أكبر مما تستطيع تحمله وهو ما كان واضحاً من خلال الإطالة والمباشرة في الطرح. وهذا لا يعني بأن البسام لم يعرف كيف يقدم حلولاً إخراجية خلال العمل فهي واضحة وبارزة في العمل بشكل جميل ولافت إلا أن وزن النص المكتوب / المنطوق سبب ارباكاً وغلب على اللغة المرئية للعرض.


الأداء من الناحية الأخرى، كان جميلاً إلى درجة بالغة ففريق العمل يحتوي على أسماء رصينة وكبيرة في المسرح العربي ومن بينهم فايز قزق وأمل عمران وكارول عبود المتألقون دائماً في أدوارهم، بينما أخذ فيصل العميري مساحة أكبر عن سابق أعماله مع البسام حيث قدم شخصيات مختلفة بشكل متقن، إلا أن الأداء الأفضل في هذا العرض قدمته الفنانة السورية نوار يوسف في دور «نشامي» التي أذهلت الجمهور بتقمصها لحالات مختلفة وتنقلها السلس من جزء إلى آخر في هذا العمل فلم يسبق لنا في الكويت أن نرى ممثلة تقدم دوراً متقناً وجريئاً ومتلوناً في الرقص والبكاء والغناء كما فعلت الفنانة السورية نوار التي تمثل بكل تأكيد مكسباً مهماً لفرقة «سبب» في أول عمل لها مع الفرقة إلى جانب الممثلين نصار النصار وفهد العبدالمحسن.


الأسلوب الجريء في المسرحية في الرقص وبعض الإيحاءات الجنسية جاءت لتؤكد الطرح الهادف خدمة للنص على غير ما اعتدناه في المسرح الكويتي، جرأة البسام صادمة لجيل جديد من الكويتيين لم يعتدها من المسرح الكويتي سواء كان النوعي أم التجاري، بل أن الذاكرة الكويتية استعادت ما قدمه «الجيل الذهبي» في المسرحيات الرصينة الجريئة التي قدموها في ما مضى، والتى أتت الرقابة الحكومية على تشذيبها بما يناسب الحدود الجديدة التي طرأت على المجتمع الكويتي في السنوات الأخيرة. وعرض «ودار الفلك» تقصدت هذه الجرأة بحكم أنها مسرحية تطرح مقارنة من واقع الفن الكويتي ولذلك كانت مشاهد الرقص وكلمات الغزل والإشارات الجسدية والجنسية كلها موظفة في إطار فني يخدم الشكل والمضمون.


يمكن أن نرى بوضوح أن عمل سليمان البسام يتخذ من التجربة الكويتية صوتاً للتجربة العربية الاوسع وصراع الفنان مع السلطة السياسية والدينية، ويبدو أن البسام استغرق وقتاً طويلاً في التقاط كل أشكال تضييق الحريات في طريقه لمحاكمة تعتمد على مقارنة الماضي بالحاضر، إلا أن الهم الكبير الذي حمله البسام لربما كان السبب في تغطية المضمون على الشكل في مواضع عدة، وطغيان الشكل في مواقع اخرى، لكن في النهاية يبقى هذا العمل الحدث الأنسب بلا نقاش ليقف الكويتيون في هذه المناسبة لطرح أسئلة مفصلية ومهمة عن واقعهم بدلاً من اقتصار الأمر على الاحتفالات التقليدية التي ليس من شأنها أن تدفعنا إلى الأمام.



- جريدة الراي

Mar 26, 2011

The Bidun of Kuwait: A Look behind the Laws

A photo of Kuwaiti riot police beating a Bidun protester. Image from author's archive]


In Kuwait, some young Bidun men and women often wonder what more they could offer the country to get accepted as one of its own. Their fathers had lost their lives liberating Kuwait from the Iraqi invasion in the 1990 Gulf War. Their ancestors had settled in Kuwait for three consecutive generations but Bidun today have yet to be afforded any state recognition. Other Bidun question when they will become “pure enough” in the eyes of the Kuwaiti state and society to get recognized as equal humans, if not citizens.

There are 120,000 Bidun jinsiyya (without nationality) in Kuwait today suffering from the lack of political, economic and human rights. None of them can legally obtain birth, death, marriage or divorce certificates. The same applies to driving licenses, identification cards, and passports. Bidun have no access to public education, health care, housing, social security or employment. And while they face some of the state’s harshest discrimination policies, they have no recourse to the law and its courts. Simply stated, the Bidun, who are equal to about 10% of the Kuwaiti population, do not exist. They have been dehumanized and rendered invisible by government policies coupled with pervasive social stigmatization.

Those in positions of power and their allies have used the same excuses to prevent the Bidun from being granted Kuwaiti citizenship and given their civil and human rights. They argue that the Bidun are of Iraqi origins and have hidden their real identification documents in order to get Kuwaiti citizenship and enjoy the benefits of the welfare state. Cruder, everyday conversations characterize them as “uncivilized and savage bedouins” who do not represent the “modern” and more “refined” culture of Kuwaiti society. The Bidun are portrayed as disloyal subjects who are culturally different and thus do not deserve Kuwaiti citizenship.

Several reporters and international organizations, such as Human Rights Watch, Refugees International, and others have been working on furthering the cause of the Bidun. While they have tried to increase societal awareness of the Bidun, little is known of their miserable living conditions, and pervasive societal discrimination against them persists. The recent protests of Bidun in Sulaibiya, Taimaa, and Ahmadi that started on February 18th, 2011 and called for granting the Bidun citizenship have attracted more attention now than in the past due to regional revolutions and uprisings. Around one thousand persons are said to have gathered in all the protests combined to demand rights that the Kuwaiti government has long denied them.

In line with the suppression of protests in the Gulf and other states, Kuwaiti security forces responded to the Bidun demonstrators with violence. They used water cannons, teargas, smoke bombs, and concussion grenades to disperse the protesters. According to Human Rights Watch, over thirty people were injured and 120 were detained by state security in the first day of Bidun protests. The Interior Ministry puts the latter number at forty-two. Interior Minister Sheikh Ahmad al-Hamoud al-Sabah accused the protesters of assembling without prior government notice, and said that they would all be released after investigations were finalized. On March 12th, the Kuwait Human Rights association demanded the release of all detained protesters. Rumors suggest that most of the detainees have been released.

In the aftermath of the protests, the Kuwaiti government and some parliament members announced their commitment to reform laws that pertain to the Bidun. However, like previous promises, they have so far been empty ones. The parliamentary sessions that took place after the protests discussed the rights of the Bidun to get birth, death, marriage, and divorce certificates. So far, these discussions have not materialized into actual legal rights. As a result, the Bidun have taken to the streets again on March 12th, 2011, this time demanding full citizenship rights and not only civil documents.

Kuwaiti media and popular reactions to these protests have been especially disturbing for many in the Bidun community. Kuwaiti newspapers—which are mostly owned by old money Kuwaiti families—were quick to criticize the protests because they oppose the naturalization of the Bidun. Newspapers and television channels alike have accused the hundreds of peaceful Bidun protesters of throwing stones at the police, claiming it was the reason that led to the “clashes” between the police and protesters. Kuwaiti media, however, has condemned the violence used by the Interior Ministry against parliament members and activists who held an informal gathering to discuss “Preserving the Kuwaiti Constitution” in December 2010.

It seems that Kuwaiti newspapers are currently doing the government’s bidding when it comes to the Bidun. As part of a recent media campaign, newspapers have been trying to establish that the Bidun did not take to the streets to fight for their civil rights. Rather, that they did so because the Kuwaiti government was cooperating with its Iraqi counterpart to reveal the Biduns’ real identities in order to deport them. Such media depictions have led to increased anti-Bidun sentiments in Kuwait, with many Kuwaitis now sanctioning the use of force against Bidun demonstrators. Popular anti-Bidun sentiments and reactions cannot be ascertained on state television or through the printed press. However, hate speech and stereotyping of the Bidun minority have become more common in everyday life here and easily found on online blogs and social networking sites.

The way the media has sided against the Bidun protests is not surprising. Many Kuwaitis continue to harbor feelings of resentment at the government for granting citizenship to a certain Saudi tribe in the 1970's, an act that has skewed parliamentary elections. Some Kuwaitis believe that these 'newcomers' were used to politically support and empower certain individuals over others. The Kuwaiti media’s position towards the Bidun can also be explained by a different perspective: "If this minority does not benefit us in any way, why not favor the government this time by siding with it against the Bidun". Consequently, they burn a card once, and then can use the Bidun card at a later time to balance the media-regime relationship.

These are critical times in Kuwait. Events in Bahrain have incited sectarian discrimination amongst all Kuwaitis. Certain newspapers have addressed the Bahrain protests through a sectarian lens, most notably the Al-Watan newspaper, which has caused several sectarian incidents in Kuwait in the past. In a recent incident, Al Watan carried an article that pointed out and condemned the video of Yaser Al-Habib, a Shi’a who was shown cursing Aysha, the wife of prophet Mohamed. This led the Kuwaiti government to strip him of his citizenship.

Kuwaiti society also features class and status-based discrimination as they have always been practiced against the Bidun and other Kuwaiti communities. The pro-Bidun Kuwaiti activists, politicians and writers are making a big mistake by failing to point out these practices of discrimination in Kuwait. Instead, they keep focusing on debating and demanding the implementation of the laws and rules to help solve this long-standing problem. While addressing the importance of implementing these laws is crucial, it makes little sense to do so without first raising public awareness on the status and living conditions of the Bidun. Otherwise, the government and its allies can easily abuse public ignorance in order to get the green light to further oppress the Bidun or other minorities in the future.

Mona Kareem - Jadaliyya

Mar 18, 2011

أفراح هشة

أفراح هشة

قصيدة – منى كريم

لماذا تسرق الوحدة من المرأة إنسانيتها، وتزرع مكانها القبح؟

لماذا يصنعون هم تماثيلاً نحاسية لأصدقائهم، وأصدقائي يذوبون كتماثيل الشمع؟ لماذا يلعبون الكلمات المتقاطعة بآلامنا ونرفع أصابعنا لنمنحهم الإجابة؟ لماذا يكونون هم "أبناء البلد" ونكون نحن "أبناء الكلب"؟ لماذا تنبش أمهاتنا القواميس منذ الصباح بحثاً عن شتيمة، وأمهاتهم يغرقون في لغة أخرى؟ لماذا يقتلون هم الوقت بالثقافة ونقتل نحن يأسنا بها؟ لماذا تعرف الآلة الحاسبة كيف تمنحنا 10 آلام مقابل كل فرحة، ومعهم تضيع الحسبة في عد الأفراح؟ لماذا عرفنا أن الحياة سلم وأمضينا بقية سنينها نعد ما تبقى من الصفر؟

لماذا تشمين عرق القميص البنفسجي المتعفن وتضعينه درعاً لكِ وأنت البنفسج كله؟ لماذا تسهرين تلونين وجوه الفتيات على الدينار، وأسهر أنا أتوقع اللعبة التي يلعبنها؟ لماذا تصنفين أنتِ وجوه العشاق بإزدراء وأقبل أنا بذلك الذي لا وجه له؟ لماذا يكون حذائك الذي سيأكله الطين أكثر أهمية من قصة شعري الجديدة؟

لماذا أولد وتحت إبطي سجل بأخطاء سلالتي ويولدون هم بدفاتر مزركشة؟ لماذا لا أنام كل ليلة لأني أرى الحب نعمة أكبر مني، مع أنه مجرد ذرة أستحق وجودها في هوائي؟ لماذا علي أن أترك إديت بياف تصرخ حتى لا أسمع أصوات سيارتي التي تطلب النجدة؟ لماذا ينشق ضلع مني ويرميني بالحجارة وأضلاعهم تفوح بالبخور؟ لماذا انتظر تذكرة لدخول الحياة، ويكتبون هم صكوك الفرح بأقلامهم المصنوعة من عظام أفريقيا؟

لماذا أرى العالم من غرفتي ويجولون هم البلاد بحثاً عن ما هو أفضل من غرفهم؟

لماذا لا نكون جميعنا هم .. ونبقى نحن بلا وجود؟

I'm not myself

 I want to be a wine bottle
to a lover in pain.
I want to be a forgotten flower in a book.
I want to have four nationalities and one home.
I want to carry a bag on my back that only fits my mother.
I want to put my lovers in my pocket
So I could kiss them every minute.
I want to create many children from my shoes.
I want to move my hand on my father's beard
Without remembering that he will wake up some day
And not find me!

I want to send many emails
telling people how much deception there is in them.
I want him to stand on the edge of my scream,
One shot from my lung would make him fall upward!
I want to change my soul like I change my clothes
I want it to be diffused with the smell of washing detergents.
I want to throw language away from my room,
Like a rotten coughing sock.
I want to tell the Oud player
That he is punishing the strings with his thick fingers.
I want to be shown exclusively on the screens of happiness.
I want to be fought by sadness.
I want it to be a censor, and am a frightening book.

Simply,
I want to walk in a demonstration against myself.

Mar 17, 2011

الأخوان الكويتي بين المأساة العراقية والملهاة الإسرائيلية


منى كريم
داوود وصالح عزرا الكويتي من اليهود القلائل الذين لا يتعدون عدد الـ 100 شخص من مواليد الكويت بعد أن هاجرت عائلتهم التي عملت في التجارة من البصرة إلى الكويت مع ما يقارب 50 عائلة يهودية أخرى. وظهرت موهبة الأخوين (صالح 10 سنوات، و داوود 8 سنوات) لأول مرة حين عاد عمهما من الهند جالباً لهما عوداً وكماناً فبدأ صالح دراسة الموسيقى ومن ثم إعادة توزيع موسيقى أغنية «والله عجبني جمالك» التي مازالت ترددها الإذاعات الخليجية المختلفة بصوت سليمة مراد وداوود الكويتي وهي في الأصل إحدى أغاني عبد الله الفرج مؤسس فن الصوت الكويتي.
وعن بداياته تحدث صالح الكويتي بعد سنة من وفاة أخيه داوود 1977 عبر إذاعة صوت إسرائيل قائلاً: (ولدت ونشأت في الكويت حيث كان والدي يعمل، كنت معجباً بالموسيقى والشعر كثيراً وحين أصبحت في سن العاشرة دخلت المدرسة لأتعلم الإنجليزية والعربية والديانة اليهودية. لكنني أحببت دراسة الموسيقى، وفي الكويت كان التعليم الموسيقي مقتصراً على الموسيقى الكويتية والبحرينية واليمانية والحجازية التي تعلمتها على يد عواد ماهر اسمه خالد البكر، ثم تركت العود وتعلمت الكمنجة التي أميل لها أكثر. وحين أصبحت ماهراً بالأغاني الكويتية وشبه الجزيرة العربية غناءً وعزفاً بدأت أنا وأخي داوود بجلب أسطوانات من العراق لأتعلم المقامات والمغنى العراقي المصري والسوري واللبناني، وكنت أتدرب عليها عزفاً وغناءً. وكانت «والله عجبني جمالك» أول أغنية أقدمها بمشاركة أخي داوود أمام شيوخ الكويت آنذاك الذين قاموا بتشجيعي كثيراً حيث كنت أنا وأخي نقيم حفلات عند تجار الكويت وشيوخ الكويت منهم المرحوم عبد الله المبارك وأحمد الجابر. الحق يقال «إن الكويت أحسن بلدة شفتها في حياتي» هادئة، لا توجد فيها تعديات، وفيها مساواة، أي بالعربي الفصيح: «افتح بابك ونام». وفي الكويت كان فن الإيقاع أكثر شهرة من أي نوع موسيقي آخر حيث يعزف الكويتيون على المرواس ويرقص الرجال رقصاً موزوناً غير موجود في أماكن أخرى.
من ثم أصدرنا في العراق أول أسطوانات لنا عام 1926، 1927، 1928 وهي ليست من ألحاننا بل هي أنغام يمانية وكويتية وبحرينية وحجازية منها: يعاهدنني لا خانني ، والله عجبني جمالك، في هوى بدري وزيني، إن شكوت الهوى، لعل الله يجمعنا قريباً، لولا النسيم، نضت عنها القميص، إن وجدي، جرحت قلبي، ألا يا صبا نجد وغيرها).
وهنا نلاحظ بأن صالح كان متأثراً بالتراث الكويتي حيث قدم الكثير من أغاني التراث الكويتي بأصوات عراقية وعربية مختلفة كناظم الغزالي وسليمة مراد ومنيرة الهوزوز وحضيري بوعزيز ونرجس شوقي وزكية جورج ..الخ وعلى الرغم من صغر سنهما إلا أنهما رغبا بالذهاب إلى البصرة بحيث يجدان من يحتضنهما فتلقفت شركات التسجيل العراقية الأخوين الكويتي وأصبحت أغانيهما تشغل الجميع في المملكة العراقية. وفي البصرة توجه صالح لدراسة آلة القانون على أيدي أهم الموسيقيين منهم حنا بطرس يوسف زعرور الصغير بالإضافة إلى تعلم المقامات. ومن ثم بدأ الأخوان بالغناء في الحفلات المختلفة محققين نجاحاً ساحقاً مكنهما وعائلتهما من الانتقال إلى العاصمة بغداد.
موسم الهجرة إلى بغداد
مرحلة الانتقال إلى بغداد مثلت الكثير بالنسبة للأخوين بما أن بغداد ذات أهمية فنية وموسيقية بين دول الشرق الأوسط، هناك، دأب صالح الكويتي على الالتحاق بالمدارس الموسيقية المختلفة التي ثقفته في الموسيقى الشرقية والغربية وجعلت الكثير من المطربين يرغبون بالحصول على ألحان منه لأغانيهم منهم المطربة العراقية اليهودية سليمة مراد باشا –زوجة سفير الغناء العراقي ناظم الغزالي-. ولم تقتصر شهرتها على الموسيقى العراقية بل وصلت إلى مسامع السيدة أم كلثوم التي بحثت عن صالح بمجرد وصولها إلى بغداد على الرغم من أنها قلما تترك أغانيها لملحنين غير مصريين. ومن الأغاني التي لحنها صالح الكويتي أغنية سليمة مراد التي غنتها أم كلثوم «قلبك صخر جلمود» بل وساعدتها «الست سليمة» في نطق الكلمات العراقية الصعبة.
بعدها قدم محمد عبد الوهاب إلى بغداد باحثاً عن الأخوين الكويتي عام 1932 ليدهش الأخوين بقوله إنه راغب بأن يتعلم على يديهما بعض أسرار موسيقاهما الخاصة والتي تأثر بها عبد الوهاب في موسيقاه لاحقاً. وقد عمل الأخوان في تلك الفترة مع سيد المقام العراقي محمد القبنجي والفنان عزيز علي الذي تزوج إحدى أخواتهما، كما قاما بتأسيس معهد موسيقي صغير لتدريس النظريات الموسيقية والمختلفة حيث قاما بالعمل على «نوتة محسنة» سميت بـ «النوتة الكويتية» تقديراً للأخوين.
عدا قيام صالح الكويتي بتلحين قصيدة الشاعر الهندي الشهير طاغور الذي زار بغداد عام 1934 والتي ترجمها جميل صدقي الزهاوي «يا بلبل غني لجيرانك» والتي غنتها المطربة السورية التي اشتهرت في العراق زكية جورج. وعلى الرغم من أن طاغور لا يجيد العربية إلا أنه أعجب باللحن كثيراً. من ثم غناها المطرب عبد اللطيف الكويتي في تلفزيون الكويتي الذي عرضها بشكل مستمر. من الجدير بالذكر أن صالح قام بإعادة توزيع أغنية عبد الله الفرج «في هوى بدري» التي استخدم عبد الحليم حافظ لحنها في أغنيته «يا هلي» لاحقاً.

الأخوان الكويتي والملك فيصل
وصلت شهرة الأخوين الكويتي إلى البلاط الملكي في العراق حتى أصبحا من الموسيقيين المفضلين لدى الملك فيصل الذي جعلهما يلحنان أغاني لمناسبات البلاط الملكي المختلفة. وفي عام 1936 طلب وزير المعارف العراقي من الأخوين الكويتي المشاركة في تأسيس أول إذاعة في مملكة العراق بمشاركة المطربة المصرية فتحية أحمد. ومنذ تأسيسها حتى هجرتهما إلى إسرائيل كان الأخوان يقدمان الأوركسترا في الإذاعة العراقية وفي إذاعة الملك فيصل الخاصة، وهما أول من قدما الأوركسترا العربية في إسرائيل.
واستمرا الأخوان في تقديم عروضهما في عدة دول عربية حتى خمسينيات القرن الماضي وسجلا مئات الأعمال منها «خدري الشاي خدري»، «خايف عليها»، «على درب الهوى»، «كَلي يا حلو منين الله جابك»، «أسمر بعينه كتلني»، «الهجر مو عادة غريبة» و»ميحانة». وبالإضافة إلى شهرتهما لهما معرفة بالمقامات وموسيقى العتابا. عملا الأخوان في تلحين أغان لبعض الأفلام السينمائية كروميو وجولييت.

حياتهما في إسرائيل
طوال مسيرتهما الفنية لم يخف الأخوان هويتهما اليهودية وعملهما على دعم التجمع اليهودي في العراق فنياً أو سياسياً. وتختلف المصادر العراقية والإسرائيلية على تسمية ذهابهما إلى إسرائيل ما بين الترحيل والهجرة. فالمصادر العراقية واليهودية العراقية تؤكد على أنهما كانا مجبرين على الرحيل مع من غادروا بغداد خلال الخمسينيات، بينما المصادر الإسرائيلية تؤكد على أنهما اختارا ترك كل شيء ورائهما والذهاب إلى موطنهما الجديد رغم أن أمير الكويت آنذاك والذي كان معجباً بموسيقى الأخوين كثيراً حاول إقناعهما بالبقاء. يقول شلومو صالح الكويتي إن والده كان مصراً على قراره ولم يكن بإمكانه أن يلحق بالطائرة. وقد أصدر شلومو منذ فترة أسطوانة تحتوي على أشهر أغاني أبيه وعمه التي سبق أن قوبلت بالإنكار العربي العراقي والتجاهل الإسرائيلي تحت عنوان «نجمهما لن يبهت أبداً». ما هو مؤكد أن عائلة الكويتي بأكملها استُقبلت بشكل سيئ في إسرائيل حيث يهود إسرائيل يرفضون انضمام اليهود العرب إليهم بأي شكل من الأشكال. وعلى الرغم من غزارة إنتاج الأخوين في إسرائيل حيث قدما أعمالاً جميلة ومختلفة منها «مقام صالح في ثمود» و «شيبوني وأنا شاب» التي عرضها التلفزيون الكويتي بصوت عبد الحميد السيد إلا أن إسرائيل التي لم تكن قد أصبحت «أرض الميعاد» اضطرت الأخوين للعمل خارج مجال الموسيقى. وكذا تعامل بعض العرب والعراقيون مع الإرث الموسيقي اليهودي الذي حاولوا نسبه إلى مناطق مختلفة تتماهى مع لهجات اليهود دون أي احترام لما قدمه اليهود في مجال الموسيقى والفنون منطلقين في مسيرة مسح الأخوين من الإرث الموسيقي بشكل تدريجي بعد هجرتهما عبر منع بث أغانيهما وإخراج كل اليهود من الإذاعة العراقية إلا أن عملية مسح اليهود من الموسيقى العربية بلغت ذروتها مع وصول صدام حسين إلى الحكم كما يرى شلومو صالح الكويتي.
كما يضيف شلومو حول مسألة المعاملة الإسرائيلية لأبيه وعمه قائلاً بأنها معاملة مريبة حيث طلبوا من الأخوين أن يقدما موسيقاهم في إذاعة صوت إسرائيل باللغة العربية بالاشتراك مع فرقة يهود العراق إلا أنهما شعرا بالإهانة وبأنهما مجرد جزء من صورة منظمة تريد أن تقدمها السلطات الإسرائيلية. ويردف شلومو قائلاً: «لكن ذلك كان أقل وطأة من استماعهما لأغانيهما في الإذاعات العربية المختلفة دون ذكر أسمائهم فلقد أحب والدي وعمي العراق كثيراً وتركا ثروتهما في قصر الملك فيصل، إنهما مرتبطان جداً بالجمالية العربية. وهذا جعل والدي يمنعني من دراسة الموسيقى حتى إنني حسدت «دودو تازا» حفيد داوود الكويتي لأن جده ليس على قيد الحياة ليمنعه من أن يكون فناناً، وهو فنان معاصر ومهم في إسرائيل قام بتقديم أغان جدية في فيلم «سوف هالوم سمولا» الذي انتشر داخل إسرائيل وخارجها».
اعتذار متأخر
يقول مانديلا: «بإمكاننا أن نغفر لكن ليس بإمكاننا أن ننسى»، وهكذا هو حال الأخوين الكويتي اللذان تتم إذاعة وعرض أغانيهما عبر المحطات والإذاعات العراقية المختلفة. فمنذ سقوط صدام حسين بدأ الكثير من الباحثين محاولات لإنقاذ ما تبقى من الإرث الموسيقي العراقي و اليهودي خصوصاً وأخرى تسعى لتذكير الجمهور العراقي بالأخوين وفنهما العريق حتى إن الجمهور العراقي قبل سنتين اختار الأخوين كأفضل ملحنين مقامات من خلال تصويت نظمته إحدى القنوات العراقية.
من جهة أخرى يذكر شلومو أنه منذ صدور أسطوانة «نجمهما لن يبهت أبداً» لم يتوقف الجدل حول مسألة انتماء الأخوين الكويتي، فنجد الجهة الكويتية تعترف بأن الأخوين عملا في العراق بشكل رئيسي وبأنهما من أصول عراقية إلا أنه يجب اعتبارهما جزءاً من الإرث الكويتي، بينما خرجت المقالات اللبنانية متحدثة عن أن أهم الأعمال الفنية العربية هي يهودية في أصلها مما يذكر شلومو بما قاله والده عن عادة العرب في الخلط بين السياسة والفن. بينما تغيرت المعاملة الإسرائيلية تجاه الإرث اليهودي الموسيقي العربي فنجد أن الأجيال الجديدة تبحث عن هذا الإرث لربما باعتباره إرثاً موسيقياً عالمياً، ونرى أبناء المهاجرين اليهود العرب يبحثون عما يصلهم بإرث أجدادهم. 

شتاء فروغ فرخ زاد الـ 38



منى كريم:


" وهذه أنا‏

امرأة وحيدة‏

على عتبة الفصل البارد،‏

في بدء إدراك الوجود الملوث بالأرض‏

ويأس السماء البسيط الحزين‏

وعجز تلك الأيدي الإسمنتية "

/ لنؤمن ببداية فصل بارد -


Let Us Believe In The Beginning "

Of The Cold Season"



كيف للشِعر أن يتحول إلى مشروع نبوة ؟ كيف بإمكانه أن يجلب لشخص ما قدرته على التخاطب مع موته بشكل واضح و مسالم ؟ كيف له أن يجمع بين عشق صوفي و طيران إيروتيكي ؟

هنالك الكثير من الأسئلة التي تراكمت في روحي نتيجة قراءاتي لنصوص الشاعرة الإيرانية فروغ فرخ زاد بالترجمتين العربية و الإنجليزية ، حين قرأت هذه الشاعرة شعرت بمدى الظلم الذي نوقعه على الشعر ، مدى استخفافنا بروحه و جسده و اضطهادنا له بصورة قسرية ، لا أنكر إنني آمنت مطولاً بمقولة أدونيس حول انفصال الشاعر عن التنبؤ و الغيبي و ارتباطه به باعتباره فعل إنساني غير شاذ . لقد جعلتني فروغ في موضع حرج من هكذا إيمان ، فهي شاعرة جعلت من قصائدها مشروعها الشخصي لتحقيق إنسانيتها و أنوثتها و علاقتها مع الوجود ، إنها لشدة التماهي بينها و بين الشعر أصبحت بمثابة صديقة له يخبرها بأسراره ، بل و يتعدى الأمر أن تخبره بأسرارها التي لم تكن قد عرفتها بعد . في مثل هذا الشهر عام 1967 والذي يبدو لي عاماً غريباً فقد رحلت فيه الكثير من الشخصيات بدءاً من تشي غيفارا و وصولاً إلى فروغ فرخ زاد التي اختارت موتها بحرية . في مثل هذا الشهر رسمت فروغ شتاء رحيلها و حددت له في آخر قصائدها أن يكون مع الساعة الرابعة :

مضى الزمن‏

مضى الزمن ودقّت الساعة أربع مرات‏

دقت أربع مرات

/ القصيدة السابقة

بعدها خرجت فروغ من موقع التصوير الذي كانت تعمل فيه كونها فنانة سينمائية أيضا ً ، و ماتت في الرابعة و النصف بحادث سيارة ..

شعر فروغ فرخ زاد يحمل الكثير من الشفافية و الاعتماد على اللغة الإنسانية ، تنطلق فيه من حبّها باعتبارها عاشقة تملك عشق الروح و عشق الجسد ، جامعةً بين التمرد على تقاليد الشعر الفارسي - خاصة أنها من جيل شعري أسس لرؤية مغايرة في الشعر أمثال نيما يوشج و أحمد شاملو – و بين الحس الصوفي أو العرفاني المتوارث في الشعر الإيراني باعتباره شعر يرصد لحالاته الروحانية الراقية خاصة علاقات العشق الإلهية . إن في قصائدها الكثير من التلذذ بالخسارة و الألم ، الكثير من الفقد و التنقيب عن عالم يجيد لغة الـ " لا " بدلا من لغة الرضوخ ، عالم يوازي روح الشاعرة الأنثوية الغير خاضعة لأيدلوجية مجتمعها و مشانقه .

بعض الأحيان تجد أن فروغ تملك القدرة على التخاطب مع الطبيعة باعتبارها ذات روح سامية ، و أحياناً أخرى تنزح لصوت الجسد بلغته الصارخة بكل جرأة بل و انطلاقا من إيمان عميق في تكوين ماهية خصوصية لا عبثية . لقد هوجمت فروغ كثيراً لجرأة ما طرحته خاصة بعد ديوانها " العصيان " و الصادر عام 1952 ، فبقت مصرة على رؤيتها بل و قامت بتكريسها عبر ديوانها الثالث " الجدار " – 1956.

إن في هذا التمرد جمال خاص به و مغاير ، لأنه في الدرجة الأولى جمال يحمل الكثير من الروح الشرقية ، و النوستالجيا الشرقية ، دون أية حواجز تمنعه من التنفس . بل أنه يعمد لصنع لغته المتينة و المليئة بالإيحاء والموسيقى الداخلية باسم البحث عن الضوء رغم هذا اليأس المؤلم الذي ينمو في روح الشاعرة ، وهو في حقيقته مجرد ابن لمساحات من الفشل في " الحب " - أسمى الذوات لدى الشاعرة - .

لقد كتبت فروغ أول قصيدة لها و هي في سن الـ 13 ، ثم أصدرت ديوانها الأول " الأسيرة " في سن الـ 17 والذي قامت بإعادة طباعته ثلاث مرات لاحقاً ، و بحرص شديد حاولت أن تطرح عبر تجربتها أرضية جديدة للفرد بعيدة عن الأسواط حيث كانت فروغ تعلن ما يسمى بـ " خطيئة " حسب العرف الديني و الاجتماعي دون أن ترى ضرورة للخجل باعتبارها إنسان من حقه أن يجرب الطيران في كل الاتجاهات .

" أريدك يا معشوقي المجنون ..

أشعل لهيب الشهوة في عينيه

و في الكأس رقص النبيذ الأحمر

و ترنح جسدي على صدره

في السرير الناعم ..

أوه وقعت في الخطيئة ،

وقعت في خطيئة الرغبة "

/ " وقعت في الخطيئة " – ديوان " الأسيرة " **


النبرة التي تسيطر على فروغ هي نبرة الإنسان الأول دون أية مساحيق عليه ، نبرة الطفل الذي لا يعرف لغة وسطية بل ينزح إلى الصراخ أو الضحك ، تحاول عبره أن تكون كل علاقاتها مجرد علاقات حادة في عفويتها من أجل كسر التماثيل و ما رسبه الإنسان من أفكار محنطة .

حين قرأت فروغ بلغتها البسيطة حضرتني تجربة الشاعر الفرنسي رينيه شار بلغته المكثفة و المعقدة ، فهي تشترك مع هذا الشخص في التعامل مع الشعر ، كلاً منهما يكتب القصيدة باعتبارها حياة إضافية و خاصة له ، كلاً منهما يملك مشروعاً وجودياً في شِعره ، مما يجبرنا على التعامل مع هكذا نصوص شعرية باعتبارها ذات بعد إنساني و إبداعي عميق غير مؤقت كباقي النصوص الفورية أو الاستهلاكية . لقد حاول رينيه شار عبر لغته الصعبة أن يجعل النوافذ مفتوحة للجميع في التفكير و البحث الشعري ، بينما حاولت فروغ تحقيق ذلك عبر صمتها الرافض و الثوري .

هذه الشاعرة تُحّمل المتلقي الكثير من الحميمية لأنها لا تتكلف و لا تبتعد عن شجرة ذاتها ، بل تبقى قريبة مما تريد ، وبذا تسمح للقارئ أن يحتضنها بكل دفء إن كان يحمل مثل مقدار صدقها و تلقائيتها . و رغم أنها في مجموعاتها الأولى حاولت ضرب صورة الرجل باعتباره سلطة علية فوق المرأة ، إلا أنها كانت في ديوانها الأخير " لنؤمن ببداية فصل بارد - Let Us Believe in the Dawning of a Cold Season " و الصادر بعد وفاتها تكّون نظرتها الشمولية للواقع البائس الذي يغيب الإنسان في شدة سواده و عمق قسوته . لطالما رأيت الرجل جلاداً صغيراً و هو في ذاته ضحية للجلاد الكبير المسمى بالمجتمع ، وكنت أصل بذلك إلى أن المرأة ضحية للجلادّين . و رغم كل هذا كانت فروغ أكثر رحمة مع جلادها الصغير لأنه أيضاً طرف آخر و مهم في حياتها .

إن لهذه العلاقة العتيقة بين فروغ و العالم من حولها وقع خاص عليها ، مما جعلها تلامسه و تشكله كما تريد ، فتجدها ترسم الموت كذات للكثير من المشاعر السلبية من عبثيته و وقاحته و قسوته . إنها تبدأ من الإيمان إلى العشق ، ثم الفقد وصولاً إلى الموت ، و كأنها تخلق من الموت حالة أساسية أو عنصر مركزي في الوجود الإنساني . إنها بذلك تكشف عن هويتها و تنفض عنها غبار " المُهمَل " ، و تزيح كذلك الستار عن الآخر المقدس .

فروغ من أهم الشخصيات النسائية الإيرانية التي عملت على إعطاء المرأة صورة متساوية تماماً مع الرجل بكامل حقوقها الاجتماعية و العاطفية وغير ذلك ، في وقت كانت فيه إيران تهاجم تحرر المرأة باعتباره نوع من الهوس بالغرب حسب ما يمكن أن نفهمه من كتاب جلال الأحمد " الهوس بالغرب " ، كما نرى الأمر ذاته لدى علي شريعتي الذي يحاول طرح صورة مثالية للمرأة عبر شخصيات نساء مسلمات كنّ أمهات و أخوات وبنات قدمنّ الكثير من التضحيات ، متناسياً أن المثالية هنا كانت متمثلة في جانب التضحية من أجل الذكور ، أي بمعنى آخر العودة إلى نقطة البدء دون تفهم طموح المرأة الإيرانية . إن الوقت الذي خرجت فيه فروغ كان وقتاً حرجاً وعطشاً لتحرك المرأة أمام كل هذه التحديات من قِبل المجتمع ، إن الهجوم على النساء تعدى ليزرع في الشعب الإيراني أن تحرر المرأة مساوي للعهر و اللا أخلاقيات حسب ما طرحه اليسار الإيراني كمواجهة للإمبريالية . كل هذه الأفكار المشوهة طمحت لتلطيخ فروغ كونها شاعرة إباحية فقط ، تبحث عن متعتها و تريد أن تعلن هذه المتعة باسم الحرية متجاهلين صوت الشاعرة في المطالبة باستقلالية شمولية للمرأة و احترام إرادتها الكلية . فروغ رغم نذرها روحها للحبّ لكنها كانت ترى فيه مساحة لقراءة ما هو مخفي و عصي و طامح نحو المزيد من الحرية ، إنها في تحديها ضد كل هذا القمع كانت مدهشة ، فحتى الآن لا يعرف الناقد الإيراني خاصة المحافظ و الرافض للغتها المنطلقة بلا تردد ، لماذا مازال الناس يقبلون على شراء دواوينها المتمردة ! .

في مسيرة فروغ فرخ زاد الشعرية تحول الحب من أجنحة طيران إلى قفص ضيق ، فهي بعد زواجها في سن الـ 16 من شخص تحبه و يكبرها بـ 15 عام اكتشفت أنها فقدت نفسها باعتبارها شاعرة و أصبحت مجرد امرأة تحيطها العتمة و مقسمة بين الزوجة و الأم و كان ذلك واضحاً في ديوانها الأول " الأسيرة - The Captive " الذي يمثل مشاعر هذه المرأة الشابة و المعذبة . و بناءاً على ذلك قررت ترك زوجها و حبيبها و فقدت ابنها الوحيد حسب حكم المحكمة . تعرضت فروغ بسبب هذه الأحداث لاضطهاد نفسي عميق و أصدرت ديوانها " الجدار The Wall -" الذي أهدته بكل تهكم لزوجها السابق " اللطيف " ! وصولاً لديوان " العصيان - Rebellion " الذي كرست فيه روحها لهدم هذا التسلط الذكوري و قد أثبتت عبره جدارتها كشاعرة مهمة و امرأة متمردة شاذة عاصية .. ثم ديوان " ولادة أخرى – Another Birth " و " لنؤمن ببداية فصل بارد Let Us Believe in the Dawning of a Cold Season -" الذي صدر بعد وفاتها .

لم تكتفْ بذلك فقط إنما اهتمت كثيراً بعملها كفنانة سينمائية عُرفت في أوروبا و تم تكريمها من قِبل المنظمات العالمية المعنية بالثقافة و حقوق المرأة ، و صُنعت حولها أفلام قصيرة تكريمية ، كما أتقنت لغات أخرى كالألمانية و الإيطالية و الإنجليزية و درست السينما في إنجلترا ، رغم فشلها في الحصول على الثانوية العامة في إيران .

للخصوصية في القصيدة لدى فروغ شكل مغاير ، فهي بذلك كونت اتجاهاً أدبياً جديداً يعتمد على الانطلاق مما هو شخصي و خاص بالفرد ، و هو ما نلاحظه في التجارب الغربية مثل غي موباسان و ليرمنتوف و جيمس جويس وغيرهم من مبدعين ينطلقون من تجاربهم باعتبارهم أشخاص يملكون صورة الإنسان الحالم . إن في ذلك تغيير كبير فيما تريده الشاعرة للمرأة ، فهي ترغب بتحطيم هذه الرتابة التي تجعل المرأة ذات شكل ثابت مغيب بالمقارنة مع الرجل الذي يحظى بالكثير من الانتصارات التاريخية من قِبل السلطة و المجتمع و الدين ليحصل على كل الحقوق و أهمها الجنسية الجسدية .

الشاعرة بذلك أصبحت نصاً شعرياً مهماً لكل ما هو أحمر ، كونها تعبر عن المرأة بأبعادها العاطفية و الجسدية و تضيف لذلك قدرتها على التحدث بلا قيود و الكشف عن حقيقة الآخر المطهر / الرجل . فروغ تفردت في كشفها للرجل ، خاصة أنها مدافعة قوية عن اختلاط الجنسين ، بذلك استطاعت على عكس غيرها من المبدعات الإيرانيات خاصة السابقات لها أن تأخذ الرجل بصورة واضحة غير مغيبة و غير جزئية . لقد استغلت فروغ شلل الرجل و خجله من التعبير عن عواطفه بأن تحظى هي بهذه الميزة ، الشاعرة هنا تحصد الكثير من الإمتيازات و تكون باللا صمت أداة ضد السلطة بأشكالها ، كما ترفض الاختباء تحت الرمزية و أغطيتها الكثيرة بل تجعل الأمر يسير في طريق واحد و بلا عدة قراءات خاصة في قصائدها الإيروتيكية .

هذا القليل من فروغ فرخ زاد ، هذا القليل من حزنها الذي يرقص عبر قصائدها و يحتفل بشتائه الـ 38 بعد أن وجدت فروغ فرخ زاد ذاتها لتفقدها إلى الأبد .