لم تعد «ريتشارد الثالث» مجرد مسرحية شكسبيرية عظيمة، فهي الآن بالنسبة لمحبي المسرح العربي عمل فني أبدع سليمان البسام في تقديمه ضمن اطار صراع الغرب والشرق وانعكاس لواقع الديكتاتورية العربية الذي يأتي لزاماً بمساعدة القمع البوليسي والمؤامرات الخفية. قبل أيام، شهدت الكويت عرض فيلم «ريتشارد الثالث» وهو فيلم وثائقي من اخراج شاكر أبل وتم لانغفورد حيث يوثق هذا الفيلم رحلة فرقة مسرحية عربية يقودها سليمان البسام وتحتضن فنانين مسرحيين بارزين في المشهد العربي خلال رحلتهم في التحضير لهذا العمل في سورية ثم عرضه في الامارات وواشنطن.
وجاءت عملية تنفيذ الفيلم على مراحل مختلفة، فكانت البداية في تصوير أبطال العمل وهم يعيشون حياتهم اليومية ويتحدثون عن واقعهم فهم على الرغم من بصمتهم الواضحة في المسرح النوعي العربي الا أنهم يحاربون رموزاً مختلفة في حياتهم اليومية سواء ظروف المعيشة أو السلطة الدينية والسياسية والاجتماعية، ولذلك كان الجزء الأول من العمل درامياً وحقيقياً لأنه يقدم صورة للفنان العربي الملتزم. أما بقية العمل فيتنقل ما بين الكواليس ولقطات المسرحية وحوارات تجري بين طاقم العمل ونقاشاتهم حول قضايا مختلفة تعكس آراءهم، لنجد حديثاً لأمل عمران أمام قلعة تاريخية في العين الاماراتية وآخر لفايز قزق أمام البيت الأبيض في انعكاس رمزي لحالة التشظي للهوية العربية وصراعها بين الحداثة والماضي.
مخرج العمل شاكر أبل رأى أن الهدف من هذا الفيلم بأساسه نشر عمل سليمان البسام من خلال وسيط آخر وضمن ذلك رصد المواضيع المطروحة ونقلها الى الجمهور السينمائي والتلفزيوني لاحقاً، معتبراً أن «الانسان الكويتي فقد حساسيته تجاه المسرح وباتت الكثير من الأمور تفوته أو تبدو غامضة وغريبة بالنسبة له لأنه هجر المسرح لفترة طويلة وكانت البدائل للمسرح الحقيقي سيئة في طرحها وجودتها».
وعما اذا كان الفيلم محاولة تسويقية لسليمان البسام، قال أبل: الفيلم محاولة لتسويق الأفكار التي يطرحها البسام في مسرحياته فهو شخصياً يتفق معها ويرى بأنها تعكس مشاكل الفنان العربي، وهو أيضاً رسالة تقدير لهذا النوع المسرحي ومحاولة توضيح هذا العمل للمشاهد العادي وجذبه تجاه المسرح الحقيقي، وبالنسبة للمونتاج، جاء الفيلم بطريقة الفوضى والتناقض حيث تخلق مقارنة في السلبيات والايجابيات حينما تنتقل الفرقة من بلد الى آخر لتعيش تناقضات وتداخلات مختلفة.
ونفى أبل أن يكون العمل محاولة لتمجيد النخبة العربية مشيراً الى أن «فناني ريتشارد الثالث ليسوا بنخبويين تقليديين فكل منهم يصارع من أجل فنه وأفكاره ويعيش علاقة تبادلية مع الشارع وهم بشكل كبير يحملون أفكار الطبقة المتوسطة في مجتمعاتهم». وعن دور المخرج تيم لانغفورد في العمل قال: شخصياً لا أملك خبرة في الاخراج السينمائي حرفياً الا أنني جئت بالفكرة وخط العمل واخترت أن أستعين بقدرات لانغفورد الذي سبق وأن قام بعمل وثائقي لمسرحية «هاملت» قبل سنوات.
وعن مشاركة الفيلم في مهرجانات سينمائية، قال أبل: ان العمل حصل على الجائزة الذهبية في مهرجان هيوستن كما تم عرضه في دبي ضمن مهرجان الفيلم الخليجي حيث حصل على ردود فعل ايجابية من الاعلاميين والنقاد الموجودين، وسيركز حالياً على المشاركة في المهرجانات العربية لأن هذا الفيلم يخاطب الجمهور العربي بالدرجة الأولى، ومن المقرر توقيع اتفاقية مع شركات لتوزيع الفيلم ومن ثم عرضه على التلفزيون لاحقاً ان سنحت الفرصة.