"أنصح الفنان المصري بأن يقف في صف الشعب وإلا فإن مصيره مزبلة التاريخ" كلمات بسيطة ومباشرة من فنان تونسي عميق اسمه منير طرودي، يمزج الصوفية بالجاز ويحمل حقائبه من ناصية إلى أخرى هرباً من نظام بن علي حتى سقط الصنم بحرق جثث من الياسمين وارتفاع الصيحات الصامتة من جنوب بلاده حتى ساحلها. بطبيعة الحال، الغالبية العظمى من فناني مصر تعروا أمام العالم وصوت الشعب الساخر تحول إلى قزم بينما قادت امرأة يوسف شاهين المتحررة والناطقة بالفرنسية الهزيلة، أولى المظاهرات الداعمة للرئيس المصري الباحث عن الموت.
يوم بعد يوم، منذ أن قرر البوعزيزي أن يرفس باب التاريخ بقدمه الهزيلة، تتفاجئ الشعوب العربية بنخبتها التي لطالما قدرتها وأحبتها واختلقت الأعذار لها في ظل أنظمتها القمعية، دون أن تستوعب بأن يوماً تاريخياً كهذا سيأتي وستتحول هذه النخبة إلى كومبارس رديء لسلطات لا تعرف إنسانية ولا تفهم أي فن. بطبيعة الحال، سقوط الكثير من الأصنام المصرية كان مدوياً في يناير وفبراير، إلا أن ما حصل في سوريا استطاع أن يثبت للعالم بأن هنالك نخبة أسوأ ستصفق لأكثر الأنظمة الدموية في العالم.
كل هذا، مع كثرة الصدمات والمصائب، من الإمكان تجاوزه، لكن ما لا يمكن تجاوزه أو تناسيه أن يكون أحد رموز الثقافة العربية في العالم، الشاعر السوري أدونيس، من أكبر طبالي النظام السوري الذي لا يشعر بالشبع إلا بقتل دستة من الأرواح كل يوم. لطالما كان أدونيس اسماً يغير جلده وتصاريحه على أهواء المدينة التي تستضيفه، والأمثلة كثيرة بداية من رأيه حول التطبيع مع إسرائيل وانتهاءً بقصيدته العتيقة حول الثورة الإيرانية - التي عرف الإسلاميون سرقتها من اليسار-.
في هذه اللحظة التاريخية، لا يهم إن كان أدونيس شاعراً أم لا خاصة وأنه لا يترك لنا مساحة للتنفس ومتابعة أعماله التي تصدر كل عدة أشهر، بالإضافة إلى طوابير المجلات الفاشلة التي تطبل له لبيع نسخ إضافية أو جذب العيون الغربية التي لا تعرف من الأدب العربي سوى اسمين أو ثلاث ممن لمعهم الإعلام والسياسة. ما يهم الآن، موقف أدونيس مما يحصل في سوريا، البلاد التي تنافس ليبيا والعراق في كم الدماء التي أريقت، فشاعرنا الرمز لم يكتف فقط باعتبار "الربيع العربي" حالة بعيدة عن الثورة، بل بررها بكل بساطة بأنها موجة إسلامية لا أكثر.
ليس من الخطأ أن يشتّم أدونيس – الذي يقضي لياليه بين العواصم الأوروبية والمدن الأميركية بانتظار جائزة نوبل التي لن تأتيه – رائحة الإسلاميين في "الربيع العربي" فالتيارات الإسلامية متواجدة بنسب متفاوتة من بلاد إلى أخرى، إلا أن هذا الشاعر الذي بلغ الثمانين من عمره قبل فترة قصيرة، لم يفكر للحظة أن ينتقد النظام السوري المستبد الذي مارس التعذيب على الآلاف وسجن آلاف آخرين وقتل بلا أسباب وحاكم بمزاجية والأهم من ذلك مارس الإبادة ضد شعبه ومن بينها مذبحة حماة التي قُتلت فيها مدينة من أجل أن يبقى صنم حافظ الأسد.
السيد أدونيس لا يفهم بأن الإسلامي بحد ذاته ما هو إلا إنسان سوري آخر وبأن حرية التعبير التي يتغنى بها حضرته، ليست مقتصرة على الشعراء والرسامين والراقصات بل تشمل الإسلاميين أيضاً. السيد أدونيس لم يعرف حتى أن يقول بأن الثورة السورية إسلامية ولكن طريقة تعامل النظام معها إجرامية بشعة. السيد أدونيس أعمى كعمى بعض فناني مصر الأقزام وبالتأكيد ليس كعمى راي تشارلز وستيفي ووندر وخورخي لويس بورخيس، الإنساني الخلاق.
السيد أدونيس تأثر بأهم آباء الشعر الأميركي المثلي والت ويتمان، كما حاول أن يقلد مثلييّن آخرين هما الأميركي آلن غينسبرغ والإسباني لوركا.. السيد أدونيس طمع بالوصول لروعة هؤلاء الشعراء دون أن يعلم بأن ويتمان صرخ من أجل وطن للحرية والمساواة وبأن غينسبرغ كتب ألذع القصائد ضد الحروب التي شنتها بلاده، وبأن لوركا سار خطواته الأخيرة تجاه الرصاص من أجل إسبانيا. السيد أدونيس لا يعرف بعد بأن الشعر إنسانية وبأن لوحات هتلر الجيدة نسبياً لن تمثل أي شيء سوى كونها خربشات لمجرم يجب أن يموت ملايين المرات.
أنت لست هتلر، عزيزي أدونيس، أنت شاعر تحول إلى مشروع تائه، أنت باحث متخبط، أنت مكتبة ضخمة ومذهلة مجردة من الألوان، أنت بائع سيء لسلعك لأنك لم تعرف كسب ود شعبك ولا نيل إجلال العالم... أنت بحيرة كبيرة بعمق سنتميتر واحد.
جميل هذا الطرح يا منى .
ReplyDeleteورغم اعترافنا بموسوعية أدونيس وعمقه المعرفي إلا أنه بالفعل مثال كبقية الأمثلة الإنسانية التافهة على دونية الإنسان وأنانيته ورخصه بعيدا عن الثقافة ، فهو دائما باحث عن لذته ونجاحه ووصوله مهما كان الثمن . وأدونيس جسد جيدا هذا التلون اللاهث خلف الاستقرار الفردي والأضواء الاحتفالية والدعة ، وكانت تذكرة العبور لكل هذا اسمه الثقافي الثقيل للأسف .
لك مودتي منذ أيام مدينة على هدب طفل ، أظن الطفل شاخ : )
بالفعل يامنى .. حاول أن يجعل صفحة النظام ناصعة عبر صبغ ثورة الشعب السوري بلون ديني .. وكأن (البعث) أهم من الدين إذا افترضنا أن 5 بالمئة من تبريراته صحيحة .. موقف أدونيس عار .. وموقف أغلب المثقفين في سوريا وخارجها عار ثم عار ثم عار ..
ReplyDeleteليس أدونيس وحده يا منى
ReplyDeleteشجرة الثقافة تسقط خبث المتملقين بها في الأزمات !