يعيش أهل الأدب حالة من المرارة بعدما اقتنص الوحوش أحمد ناجي الروائي والصحفي والولد اللاذع. جاء الاعتقال في لحظة مخادعة من محاكمة تداخلت فيها ألاعيب النظم الأخلاقية والبوليسية. قبل حكم البراءة الذي صدر بحقه مسبقاً،سألت ناجي عما نستطيع القيام به لاغتيال القارئ- هذا الحارس المتطوع الذي يجوب أروقة الأدب دون كلل. ففي ظل هذا العداء المتجدد ضد الأدب، يتمتع القارئ بضيافة بلا قيود أو شروط في بيت القانون. كان القارئ المتطوع هذا "إسلامياً" حسب رواية الدولة وأصبح الآن "مواطنا شريفا" يرتعد من الامكانيات المطلقة التي قد تأتي بها المخيلة الإنسانية.
يتلاقي القارئ الشريف بسلطة القانون لأن كليهما يتشارك ذات الذائقة التي تتوقع من كل نص وأغنية أن تكون مرآة وهمية للمجتمع الفاضل. وإلي عمق هذه المعادلة دخل ناجي لينتزع الجذور. خلق ديستوبيا مفتوحة من القاهرة لتنطلق فيها شخوصه بمغامراتها وهلوساتها التي لا يتسع لها سروال المجتمع. لذا تأتي هذه المحاكمة كمحاولة لقص أجنحة الكاتب المتعدد الذي يمثله ناجي في نصوصه الأدبية وكتاباته الفنية ومقالاته الساخرة. إن الكود الأخلاقي في مصر يمثل طاقة متجددة للسلطوية ومطارداتها الكابوسية للفن والفنان.
لم يتوهم ناجي حياة سهلة في بيت الأدب المحاصر، ولذلك كتب لنا رواية "استخدام الحياة" ليخوض من بعدها هذه المحاكمة بقوة وخفة. يمارس ناجي تمرده علي انطباعات ومفاهيم محنطة عن الأدب باعتباره لعبة مسلية للمجتمع.
قبل قرن وأكثر، كتب أوسكار وايلد رسالة "من الأعماق" يقول فيها أن "كل محاكمة هي محاكمة لحياة الواحد وأن كل عقوبة حكم بالاعدام." كان أوسكار هو الآخر يقضي عقوبة عامين في السجن بسبب الإباحية. يشتكي أوسكار لحبيبه بأن "المجتمع الذي اختلقناه لا مكان فيه لي. لكن الطبيعة التي تمطر حلوة علي العادل والظالم ستكون في جبالها وصخورها المخبأ الذي سأبكي فيه دون مقاطعة من أحد".
نحن بانتظارك يا ناجي، لا أعلي الجبل بل في قلب المدينة.
منى كريم
من ملف أخبار الأدب عن حبس أحمد ناجي
No comments:
Post a Comment